عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٤

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]

عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٤

المؤلف:

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]


المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٩

ولهذا قال ابن عرفة : السّنة : النّعاس يبدأ في الرأس ، فإذا صار إلى القلب فهو نوم. وإنّما جمع بين نفييهما لأنّه لا يلزم من نفي أحدهما نفي الآخر ، إذ يتصوّر مجيء النوم دفعة من غير مبادىء الوسن ، ومجىء الوسن دون النوم. فلذلك نفى كلّ واحد (١) منهما على حدته بدليل تكرير لا. وبهذا يندفع سؤال من يقول : إنّه تعالى لو نفى السّنة وحدها لاكتفى بذلك موّجها له بأنّه إذا نفي ما هو مقدمة للشيء كان انتفاء ذلك بطريق الأولى لما قدّمته لك من تصوّر وجود أحدهما دون الآخر.

وتوسّنها ، أي غشيها نائمة. ويقال : وسن وأسن ـ بالواو والهمز ـ : إذا غشي عليه من ريح البئر. قال الراغب (٢) : وأرى أنّ وسن يقال لتصوّر النوم لا لتصوّر الغشيان. انتهى. يعني أنّه من الوسن ، وهو مبادىء النوم لا من الغشيان الذي يصيب الإنسان من ريح الماء الآسن ، أي المتغيّر. يعني فتكون الواو في قولهم : وسن أصلا لا بدلا من الهمزة ، وهو حسن.

و س و س :

قوله تعالى : (الَّذِي يُوَسْوِسُ)(٣). الوسوسة : الخطرة الرّديئة. قيل : وأصله من الوسواس. وهو صوت الحليّ والهمس الخفيّ. والوسواس ـ بالفتح ـ : هو الشيطان الذي يوسوس. بالكسر ـ مصدر كالوسوسة. ونظيره الزّلال والزّلال عند قوم. ومن ثمّ قال الفراء : الوسواس ـ يعني بالفتح ـ إبليس. ويقال : وسوس له وإليه. وقد جاء في التنزيل ، قال تعالى : (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ)(٤) وفي موضع آخر : (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ)(٥) فقيل : لغتان ، واللام وإلى يتعاقبان كقوله : (لِأَجَلٍ)(٦) و (إِلى أَجَلٍ)(٧). وقيل : بل معناه مع

__________________

(١) الكلمة ساقطة من ح.

(٢) المفردات : ٥٢٤.

(٣) ٥ / الناس : ١١٤.

(٤) ٢٠ / الأعراف : ٧.

(٥) ١٢٠ / طه : ٢٠.

(٦) ١٠٤ / هود : ١١ ، وغيرها.

(٧) ٢٨٢ / البقرة : ٢ ، وغيرها.

٣٦١

إلى : أوصل إليه الوسوسة ، ومع اللام : فعلها إلى أجله. وقد أتقنّاه في «الدّرّ المصون» وغيره.

ووسوس ونظيره ممّا يكرّر فيه الفاء والعين نحو سمسم ونؤنؤ ولملم وكفكف سواء صحّ المعنى بإسقاط الثالث نحو كفّ أو لم يصحّ نحو وسوس ، حروفه كلّها أصول عند البصريين خلافا للكوفيين ، حيث يفصّلون فيقولون : إن لم يصحّ بإسقاط الثالث فالكلّ أصول. وإن صحّ باسقاطه فهو زائد ، ودليل ذلك في كتب التّصريف.

و س ي :

قوله تعالى : (يا مُوسى)(١) هو ابن عمران النبيّ المشهور صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلى سائر الأنبياء. قيل : هو معرب وأصله موشى ـ بالشين المعجمة. قيل : سمي بذلك لأنّه التقط من بين ماء وشجر كما في القصة المشهورة. قيل : و «مو» بالعبرانية (٢) هو الماء و «شا» هو الشجرة. وقال بعضهم : بل هو عربيّ الأصل ، وهو منقول من موسى الحديد هذه الآلة المعروفة التي يحلق بها ، وهو بعيد جدا. ثم إنّ أهل التصريف اختلفوا في موسى الحديد هل هو مشتقّ [من](٣) أوسيت رأسه ، أي حلقته ، أو من ماس يميس ، أي تزيّن؟ والمعنيان لائقان بذلك ، فعلى الأول وزنه مفعل ، وعلى الثاني فعلى. وأصل الواو ياء نحو الصوفيّ والكوسيّ من الصيّف والكيّس.

فصل الواو والشين

و ش ي :

قوله تعالى : (لا شِيَةَ فِيها)(٤) أي ليس فيها لون يخالف لونها. وأصل ذلك من وشى الثوب : إذا نسجه على لونين فأكثر. واستعير ذلك في الحديث فقيل : وشى كلامه ، أي زيّنه

__________________

(١) ١١ / طه : ٢٠ ، وغيرها.

(٢) الصواب : هو بالقبطية ، وانظر معجم أعلام القرآن.

(٣) إضافة يقتضيها السياق.

(٤) ٧١ / البقرة : ٢.

٣٦٢

ونمّقه ليقبل عنه ، كما يوشّي الثوب ناسجه ، وذلك نحو قولهم : موّه كلامه وزخرفه ، أي طلاه بالذهب ، والواشي : النّمّام ، كذا أطلقه الراغب (١) ، وقال ابن عرفة : لا يقال لمن نمّ واش حتى يغير الكلام ويلونه فيجعله ضروبا ، ويزين منه ما يشاء. وثور موشّى الأكارع ، أي قوائمه سود. وقيل : الثور الموشّى : أن يكون في وجهه وقوائمه سواد. قال الشاعر : [من البسيط]

من وحش وجرة موشيّ أكارعه

وفي حديث الزّهريّ : «أنه كان يستوشي الحديث» (٢) تأوّله الهرويّ بأن كان يستخرجه بالبحث كما يستوشي الرجل جري الفرس ، وهو ضربه جنبيه بعقبيه وتحريكه ليجري ، يقال من ذلك : أوشى فرسه واستوشاه.

والائتشاء : يقال : ائتشى العظم : إذا برأ من كسر كان به. وأصله وشى ، فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها. وفي الحديث : «فائتشى محدودبا» (٣) أي برأ من كسر أصابه. قلت : ومن حقّ هذا الحرف أن يقال : اتّشى ، بتاء مشدّدة ؛ فإنّ الواو والياء متى وقعتا فاءين قبل : تاء الافتعال وجب قلبهما ياء وإدغامهما نحو اتّعد واتّسر ؛ من الوعد واليسر. ولكن كذا روى هذا الحرف الهرويّ في هذه المادة. و (شِيَةَ)(٤) وزنها فعلة ، وأصلها وشية فحذفت فاء المصدر حملا على المضارع نحو عدة وزنة. والنسبة إليها عند سيبويه وشويّ ، وعند الأخفش وشيّ.

__________________

(١) المفردات : ٥٢٤.

(٢) النهاية : ٥ / ١٩٠.

(٣) النهاية : ٥ / ١٩٠ ، والحديث عن أبي جندب بعد أن قتل أبا سياره ، والتفصيل من اللسان ـ مادة وشي فانظره.

(٤) ٧١ / البقرة : ٢.

٣٦٣

فصل الواو والصاد

و ص ب :

قوله تعالى : (وَلَهُ الدِّينُ واصِباً)(١) أي ثابتا دائما. والواصب : الثابت الدائم اللازم. ومنه قيل للعليل : وصب ، أي ملازمه السّقم وثابت به. يقال : واصب على الأمر ، وواظب عليه ، ووالب عليه ، وداوم عليه ، كلّه بمعنى. وقد وصب يوصب ، فهو واصب ، أي لازمه الوجع. وقوله تعالى : (وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ)(٢) يجوز فيه الأمران ؛ أي عذاب دائم متصل أو موجع. (ويجوز أن) (٣) يراد كلاهما.

وقيل : الوصب : السّقم اللازم. وقد وصب فلان فهو وصب. وأوصبه كذا ، وهو يتوصّب ، أي يتوجّع. وفي حديث فارعة بنت أبي الصّلت أنها قالت لأخيها أميّة : «هل تجد شيئا؟ قال : لا ، إلا توصيبا» (٤) أي فتورا. ويقال : أصابه توصيب وتوصيم ، كقولهم : دائم ودائب ، ولازم ولازب. وقال بعضهم في قوله تعالى : (وَلَهُ الدِّينُ واصِباً) أي حقّ الإنسان أن يطيع دائما في جميع الأحوال ، كما وصف به الملائكة حيث قال : (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ)(٥). وقال في قوله : (وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ) توعّد لمن اتّخذ إلهين ، وتنبيه أنّ جزاء من فعل ذلك لازم شديد.

و ص د :

قوله تعالى : (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ)(٦). قيل : الوصيد : الباب. وقيل : فناء الكهف عند عتبته. وقيل : الوصيد في الأصل : حجرة تجعل للمال في الجبل. وقوله تعالى : (عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ)(٧) قرىء بالواو وبالهمزة ، أي مطبّقة. وهما لغتان. يقال :

__________________

(١) ٥٢ / النحل : ١٦.

(٢) ٩ / الصافات : ٣٧.

(٣) ما بين قوسين ساقط من ح.

(٤) النهاية : ٥ / ١٩٠ ، ويروى بالميم «توصيما». ويقول الهروي : التوصيب والتوصيم واحد.

(٥) ٦ / التحريم : ٦٦.

(٦) ١٨ / الكهف : ١٨.

(٧) ٢٠ / البلد : ٩٠.

٣٦٤

[أوصدت](١) الباب وآصدته ، أي أغلقته. وقد أنكر بعضهم الهمز ، ولا يلتفت إليه. وقد حقّقناه بدلائله في غير هذا.

و ص ف :

قوله تعالى : (سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ)(٢) أي كذبهم. والتقدير : جزاء وصفهم. وقد كثر ذكر الوصف بمعنى الكذب ؛ قال تعالى : (وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ)(٣) أي تكذبون. وقوله : (سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ)(٤). قال بعضهم (٥) : فيه تنبيه على أنّ أكثر صفاته ليس على حسب ما يعتقده كثير من الناس ، وأنّه تعالى عمّا يقول الكفار. ومن ثمّ قال : (وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى)(٦).

والأصل في الوصف ذكر الشيء بحليته ونعته. والصفة : الحالة التي يكون عليها الشيء من حليته ونعته. والوصف يكون حقّا وباطلا. والظاهر أنّه والنّعت مترادفان. وبعضهم جعل النعت أخصّ ؛ فلا يقال نعت إلا فيما هو محقّق بخلاف الوصف. والظاهر الترادف.

و ص ل :

قوله تعالى : (وَلا وَصِيلَةٍ)(٧) قيل : هي الأنثى التي تولد من الشاة مع ذكر ؛ فيقولون : وصلت أخاها ، فلا يذبحونها. وقيل : كانت الشاة إذا ولدت ستة أبطن عناقين عناقين (٨) ، وولدت في السابع عناقا وجديا قالوا : وصلت أخاها ، فأحلّوا لبنها للرجال وحرّموه على النساء ؛ قاله أبو بكر. وقال ابن عرفة : كانوا إذا ولدت الشاة ستة أبطن نظروا

__________________

(١) إضافة مناسبة للسياق.

(٢) ١٣٩ / الأنعام : ٦.

(٣) ١٨ / يوسف : ١٢.

(٤) ١٨٠ / الصافات : ٣٧.

(٥) يريد الراغب : ٥٢٥.

(٦) ٢٧ / الروم : ٣٠.

(٧) ١٠٣ / المائدة : ٥.

(٨) وفي س ، ح الكلمة غير مكررة. والعناق : الأنثى من أولاد المعز قبل استكمالها السنة.

٣٦٥

فإن كان السابع ذكرا ذبحوه ، وأكل منه الرجال والنساء. وإن كانت أنثى تركت في الغنم. وإن كانت أنثى وذكرا قالوا : وصلت أخاها ، فلم يذبحوها ، وكان لحمها حراما على النساء.

قوله تعالى : (وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ)(١) أكثرنا لهم القول موصولا بعضه ببعض. وقال ابن عرفة : أنزلناه شيئا بعد شيء يتصل بعضه ببعض ليكونوا أوعى له. وقوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ)(٢) أي ينتمون إليهم. ومنه الحديث : «من اتّصل فأعضّوه» (٣) ، وفي حديث آخر : «أعضّ إنسانا اتّصل» (٤) أي أدّعى دعوى الجاهلية (٥). قلت : كان يقال : أعضض هن أبيك ، ونحوه. والاتصال : اتحاد الأشياء بعضها ببعض ، ويضادّه الانفصال. ويستعمل الوصل في الأعيان ، نحو : وصلت الحبل بالحبل. وفي المعاني ، قال تعالى : (وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ)(٦).

و ص ي :

قوله تعالى : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ)(٧). الوصيّة : التقدّم إلى الغير بما يعمل به مقترنا بوعظ ، من قولهم : أرض واصية. وهي المتّصلة النبات. وقال الهرويّ : يوصيكم ، أي يفرض عليكم ، لأنّ الوصية من الله فرض. وقال بعضهم : أصله من وصّى. وتواصى البيت تواصيا : إذا اتّصل. وقوله : (وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ)(٨) أي وصّى بعضهم بعضا. ثم وصّى ذلك البعض البعض الآخر ، أي كلّ واحد منهم وصّى صاحبه. وقوله : (أَتَواصَوْا)(٩) أي أوصى أوّلهم آخرهم ؛ قاله الأزهريّ. وهو استفهام توبيخ. يقال : وصّى وأوصى. وقد قرىء بهما قوله تعالى : (وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ)(١٠).

__________________

(١) ٥١ / القصص : ٢٨.

(٢) ٩٠ / النساء : ٤.

(٣) النهاية : ٥ / ١٩٤.

(٤) المصدر السابق.

(٥) الشرح للحديثين.

(٦) ٢٧ / البقرة : ٢.

(٧) ١١ / النساء : ٤.

(٨) ٣ / العصر : ١٠٣.

(٩) ٥٣ / الذاريات : ٥١.

(١٠) ١٣٢ / البقرة : ٢.

٣٦٦

والوصيّ يطلق على الموصى إلى الغير ، وعلى الموصى إليه ؛ فهو فعيل بمعنى فاعل تارة ، وبمعنى مفعول أخرى.

فصل الواو والضاد

و ض ع :

قوله تعالى : (وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ)(١) أي أحططنا وأسقطنا. يقال : وضع الأمير عن قومه كذا ، أي أسقطه. قال بعضهم : والوضع أعمّ من الحطّ ، ومنه الموضع ؛ قال تعالى : (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ)(٢). ويقال ذلك في الحمل والحمل. قال تعالى : (وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ)(٣). وقال تعالى : (فَلَمَّا وَضَعَتْها)(٤). ويكون الوضع عبارة عن الإيجاد ، ومنه قوله تعالى : (وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ)(٥) أي أوجدها واخترعها. وقوله : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ)(٦) أي بني واتّخذ. وقيل : وضع البيت : بناؤه.

وقوله : (وَوُضِعَ الْكِتابُ)(٧) عبارة عن إبراز أعمال الخلائق ، فلا يخفى عن كلّ عامل ما عمل بدليل : (فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ) الآية (٨). وهو موافق لقوله تعالى في الأخرى : (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً)(٩).

قوله تعالى : (وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ)(١٠) أي عدوا عدوا سريعا ، أي حملوا ركابهم

__________________

(١) ٢ / الشرح : ٩٤.

(٢) ٤٦ / النساء : ٤.

(٣) ١٤ / الغاشية : ٨٨.

(٤) ٣٦ / آل عمران : ٣.

(٥) ١٠ / الرحمن : ٥٥.

(٦) ٩٦ آل عمران : ٣.

(٧) ٤٩ / الكهف : ١٨ ، وغيرها.

(٨) تابع الآية السابقة.

(٩) ١٣ / الإسراء : ١٧.

(١٠) ٤٧ / التوبة : ٩.

٣٦٧

على السير السّريع. يقال : وضع البعير وضعا ، وأوضعته أنا فهو موضع إيضاعا : إذا حثثته على السير فأسرع. ومنه قول امرىء القيس (١) : [من الوافر]

أرانا موضعين لأمر غيب

ونسحر بالطعام وبالشراب

ومنه الحديث : «وأوضع في الوادي وادي محسّر» (٢). وقيل : الإيضاع : سير مثل الخبب. ومثله الإيجاف. وناقة حسنة الوضوع ، وهو استعارة في السير لقولهم : ألقى بعاعه (٣) وجرانه وثقله ، ونحو ذلك. وفي الحديث : «إنّه نبيّ وإنّ صورته واسمه في الوضائع» (٤). قال الأصمعيّ : الوضائع : الكتب وفيها الحكمة. والوضائع في غير هذا : الوظائف التي توظف على الإنسان. ومنه الحديث : «لكم يا بني نهد ودائع الشّرك ووضائع الملك» (٥) أي ما التزمه المسلمون من الوظائف في أموالهم نحو الزّكوات.

والوضائع : جمع وضيعة أيضا ، والوضيعة : الحطيطة من رأس المال. يقال : وضع الرجل في تجارته ، أي خسر. ومنه الحديث : «من أنظر معسرا أو وضع له» (٦) أي من حطّ من رأس المال شيئا. قوله تعالى : (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ)(٧) أي يحط عنهم أثقال التكليف. وفي الحديث : «من رفع السلاح ثم وضعه فدمه هدر» (٨). قال أبو عبيد : أي ثم قاتل به. أي في الفتنة. يقال ؛ وضع السلاح في بني فلان ، أي ضربهم به. ومنه قول سديف (٩) : [من الخفيف]

فضع السيف وارفع السّوط حتّى

لا ترى فوق ظهرها أمويّا

__________________

(١) مطلع لقصيدة في ديوانه : ٨٤.

(٢) النهاية : ٥ / ١٩٦.

(٣) البعاع : المتاع.

(٤) النهاية : ٥ / ١٩٨.

(٥) المصدر السابق ، من حديث طهفة.

(٦) المصدر السابق.

(٧) ١٥٧ / الأعراف : ٧.

(٨) النهاية : ٥ / ١٩٧.

(٩) قاله سديف للسفاح كما في النهاية : ٥ / ١٩٧.

٣٦٨

و ض ن :

قوله تعالى : (عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ)(١) أي منسوجة محكمة النّسج. وهو مستعار من قولهم : وضن الدرع. أي أحكم نسجها. والوضين : حزام الرّحل. ومنه قول الشاعر (٢) : [من الوافر]

تقول وقد درأت لها وضيني :

أهذا دأبه أبدا وديني؟

قال الأزهريّ : موضونة ، أي مرمولة ، بمعنى منسوجة نسج الدرع. وقال مجاهد : منسوجة بالذهب ، وكلّ شيء وضعت بعضه فوق بعض فهو موضون. ومنه قيل للدّروع موضونة أي تداخل حلق بعضها في بعض. وفي حديث عبد الله بن عمر ما أنشد (٣) : [من الرجز]

إليك تعدو قلقا وضينها

مخالفا دين النّصارى دينها

الوضين : وهو الحزام كما تقدّم. ويجمع الوضين على وضن نحو رغيف ورغف.

فصل الواو والطاء

و ط أ :

قوله تعالى : (لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ)(٤) أي ليوافقوا عدة الشهور. والمواطأة : الموافقة والمماثلة من وطىء الرجل برجله موطىء صاحبه. فجعل ذلك كناية عن الموافقة والمواتاة. ومنه قوله تعالى : (هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً)(٥) أي موافقة يوافق القلب فيها اللسان ، لأنّ اللّيل محلّ الخلوة والجلوة. وقيل : لأنّ اللسان يواطىء فيها العمل ، والسمع يواطىء فيها القلب. وقرىء في المتواتر : «وطاء» ، قيل : معناه أبلغ في القيام وأوطأ للقيام. وقيل : أبلغ

__________________

(١) ١٥ / الواقعة : ٥٦.

(٢) البيت للمثقب العبدي كما في اللسان ـ مادة وضن ، وفيه : تقول إذا.

(٣) ذكر ابن الأثير الشطر الأول ، بينما ذكر ابن منظور الاثنين مع ثالث ـ مادة وضن.

(٤) ٣٧ / التوبة : ٩.

(٥) ٦ / المزمل : ٧٣.

٣٦٩

في الثواب. وقيل : أغلظ على الإنسان من القيام بالنهار ، لأنّ الليل محلّ الاستراحة من قولهم : شدّ وطاءته على بني فلان. ومنه : «اللهمّ أشدد وطأتك على مضر» (١).

قوله : (وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً)(٢) من وطأ البلاد برجله. ويقال : وطئت البلاد أطؤها وطاء ووطاء. وعلى هذا يجوز أن تكون القراءتان المتقدمتان بمعنى. وقيل : الوطء هنا عبارة عن الأخذ والعقوبة. ومنه قوله تعالى : (لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ)(٣) أن تنالوهم بمكروه. وقد وطئنا العدوّ وطاء شديدا. ومنه قول جرير (٤) : [من الوافر]

خصيت مجاشعا وشددت وطئي

على أعناق تغلب واعتمادي

وفي حديث آخر : «آخر وطأة لله بوجّ» (٥) و ج : الطائف ، وكانت آخر غزوة غزاها صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهذا من الإخبار بالغيب. وفي الحديث : «أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا ، الموطّؤون أكنافا» (٦) قال المبرّد : هذا مثل ، وحقيقته أنّ التوطئة التمهيد والتذليل. ومنه دابّة وطيء وفراش وطيء ، أي لا تحرّك راكبها ولا ينبو جانبا لراقد عليه. والأكناف : جمع كنف وهو الجانب ؛ يقال : هو في كنفه وظلّه وزاده وحيّزه وجانبه. والمعنى : الليّنون جانبا. وفي حديث آخر : «إنه قال للخرّاصين : احتاطوا لأهل الأموال في النّائبة والواطئة» (٧). قال أبو عبيد الهرويّ : الواطئة : المارّة والسّابلة ، كأنه وصّى عليهم لما ينوبهم من الضيفان. وقال أبو سعيد الضرير : هي الوطايا واحدتها وطيئة. وهي تجري مجرى العربية. سميت بذلك لأنّ صاحبها وطّأها لأهله. فهي لا تدخل في الخرص. وقال غيره : الوطيئة : سقاطة التّمر لأنها توضع فتوطأ ؛ فهي فاعلة بمعنى مفعولة (٨). كقوله : (لا

__________________

(١) النهاية : ٥ / ٢٠٠ ، المفردات : ٥٢٦.

(٢) ١٢٠ / التوبة : ٩.

(٣) ٢٥ / الفتح : ٤٨.

(٤) الديوان : ١٤٥ ، وفي الأصل : خسار مجاشعا.

(٥) النهاية : ٥ / ٢٠٠. يريد : و ج : واد بالطائف.

(٦) النهاية : ٥ / ٢٠١.

(٧) المصدر السابق.

(٨) في الأصل : .. فاعل ... مفعول.

٣٧٠

عاصِمَ)(١). كما جاء مفعول بمعنى فاعل كقوله : (حِجاباً مَسْتُوراً)(٢)(كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا)(٣). ولنا فيه كلام في غير هذا.

وفي الحديث : «إنّ جبريل عليه‌السلام صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى به العشاء حين غاب الشّفق واتّطأ العشاء» (٤) اتّطأ افتعل من الوطء. والمعنى : حين يتهيأ العشاء. يقال : وطئت الشيء فاتّطأ ، أي هيأته فتهيّأ. وأراد كلّ ظلام العشاء. وفي حديث آخر : «لنا ثلاث أكل من وطيئة» (٥) الوطيئة : الغرارة يوضع فيها الكعك ونحوه.

والوطء : كثر استعماله في الجماع حتى صار كالصريح.

و ط ر :

قوله تعالى : (فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً)(٦). الوطر : الحاجة. وقيل : كلّ حاجة من همّتك وقصدك فهي وطر ، فكأنّه أخصّ من الحاجة. ومن أحسن ما قيل من فنّ التجنيس ما أنشدناه قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة لوالده : [من البسيط]

لقاء أكثر هذا الناس أوزار

فلا تبال صدّوا عنك أو زاروا

لهم لديك إذا جاؤوك. أوطار

فإن قضوها تنحّوا عنك أو طاروا

و ط ن :

قوله تعالى : (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ)(٧) هي جمع وطن : وهي محلّ الإنسان دون سكنه. يقال : وطنت الأرض أطنها وطنا ، وأوطنتها أطنها إيطانا : إذا اتخذتها وطنا. قال رؤبة بن العجاج (٨) : [من الرجز]

__________________

(١) ٤٣ / هود : ١١.

(٢) ٤٥ / الإسراء : ١٧.

(٣) ٦١ / مريم : ١٩.

(٤) النهاية : ٥ / ٢٠٢. وفي الأصل : وانتطأ. وكذا ما بعده.

(٥) المصدر السابق.

(٦) ٣٧ / الأحزاب : ٣٣.

(٧) ٢٥ / التوبة : ٩.

(٨) اللسان ـ مادة وطن.

٣٧١

أوطنت وطنا لم يكن من وطني

لو لم يكن عاملها لم أسكن

بها ، ولم أرجن بها في الرّجن

وفي الحديث : «نهى عن إيطان المساجد» (١) أي اتخاذها وطنا.

فصل الواو والعين

و ع د :

قوله تعالى : (وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ)(٢) الوعد غلب في الخير ، والإيعاد في الشّرّ. وقيل : إنّ ذكره متعلق وقع فيهما. فيقال : وعدته بخير وبشرّ. وإن لم يذكر اختصّ وعد بالخير وأوعد بالشرّ ؛ هذا قول الهرويّ. وقال الراغب (٣) : الوعد يكون في الخير والشرّ. يقال : وعدته بنفع وضرّ وعدا وموعدا وميعادا. والوعيد في الشرّ خاصّة. يقال منه : أوعدته. قال : ومن الوعد بالشرّ قوله تعالى : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ)(٤). وإنّما كانوا يستعجلونه بالعذاب وذلك وعيد.

وممّا يتضمّن الأمرين معا قوله تعالى : (أَلا إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ)(٥). فهذا وعد بالقيامة وجزاء للعباد إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا. قوله تعالى : (فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً)(٦) أي وعدا. فالموعد والميعاد يكونان اسمين ومصدرين. فقوله تعالى : (لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ)(٧) اسم لا مصدر. وقوله تعالى : (وَإِذْ واعَدْنا مُوسى)(٨) وقرىء «وعدنا» فقيل : فاعل بمعنى فعل. وقيل : سوّغ المفاعلة تنزيل القبول من موسى

__________________

(١) النهاية : ٥ / ٢٠٤.

(٢) ٢٠ / الفتح : ٤٨.

(٣) المفردات : ٥٢٦.

(٤) ٤٧ / الحج : ٢٢.

(٥) ٥٥ / يونس : ١٠.

(٦) ٥٨ / طه : ٢٠.

(٧) ٣٠ / سبأ : ٣٤.

(٨) ٥١ / البقرة : ٢.

٣٧٢

منزلة الوعد. والموعد : العهد. ومنه : (ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا)(١)(فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي)(٢) أي عهدك وعهدي.

وقوله : (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ)(٣) أي يخوّفكم. وقوله : (وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً)(٤) أي يرجّيكم. وهذا بحسب القرينة ، أي سمّى تخويفه وعدا على المقابلة نحو : (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ)(٥). قوله : (وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ)(٦) إشارة إلى يوم القيامة كقوله : (إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ)(٧). وقيل : هو يوم بدر ، لأنّهم وعدوا به ؛ وعد المؤمنون بأنّهم ينصرون فيه والمشركون بأنّهم يخذلون.

قوله تعالى : (وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ)(٨) لأنّهم كانوا يتوعّدون السابلة إن آمنوا بشعيب ، كما فعل مشركو قريش حين تقسموا شعاب مكة ، كما أشار بقوله تعالى : (كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ)(٩). وقد أوضحناه في تفسير سورة الحجر. وقد تمدّحت العرب بإنجاز الوعد / وإخلاف الوعيد تكرّما. ومنه قول شاعرهم (١٠) : [من الطويل]

وإنّي وإن أوعدته أو وعدته

لمخلف إيعادي ومنجز موعدي (١١)

قوله : (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ)(١٢) ظاهره ما توعدون من الخير. وقيل : أعمّ من ذلك ، وهو الجنّة.

__________________

(١) ٨٧ / طه : ٢٠.

(٢) ٨٦ / طه : ٢٠.

(٣) ٢٦٨ / البقرة : ٢.

(٤) تابع للآية السابقة.

(٥) ٥٤ / آل عمران : ٣.

(٦) ٢ / البروج : ٨٥.

(٧) ٥٠ / الواقعة : ٥٦ ، وغيرها.

(٨) ٨٦ / الأعراف : ٧.

(٩) ٩٠ / الحجر : ١٥.

(١٠) البيت لعامر بن الطفيل في ابن عم له (ديوانه : ٥٨).

(١١) وفيه رواية : لأخلف .. وأنجز.

(١٢) ٢٢ / الذاريات : ٥١.

٣٧٣

و ع ظ :

قوله تعالى : (قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ)(١) الوعظ : التخويف. وقيل : زجر مقترن بتخويف. والعظة والموعظة كالوعظ. وقال الخليل : الوعظ : التذكير بالخير فيما يرقّ له القلب. وفي الحديث : «يأتي على الناس زمان يستحلّ فيه الرّبا بالبيع والقتل بالموعظة» (٢) قيل : هو أن يقتل البرىء ليتّعظ المريب.

و ع ي :

قوله تعالى : (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ)(٣) أي تحفظها ولا تهمل منها شيئا أذن مصغية لما يقال. والوعي : حفظ الحديث ونحوه في الذهن. ويقال : وعيت الحديث وأوعيت المتاع (٤). قال تعالى : (وَجَمَعَ فَأَوْعى)(٥) أي جمع الأمتعة والأموال في أوعيتها ، أي أنّه لم يكن مفرطا في دنياه بل شديد الحرص عليها. وقال الهرويّ : يقال : وعيت العلم وأوعيت المتاع. وهذا عندي مردود بقوله تعالى : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ)(٦) أي بما يجمعون في صدورهم من التكذيب. كذا فسّره الفرّاء. وقول الشاعر (٧) : [من البسيط]

والشّرّ أخبث ما أوعيت من زاد

من التشبيه ؛ جعل الشرّ زادا ، والزاد يوعى. ويقال : وعى الجرح يعي وعيا ، أي جمع المدّة. ووعى العظم : اشتدّ وجمع القوة. والواعية : الصارخة. وسمعت وعيهم ، أي صراخهم. ولا وعي لي عن كذا ، أي لا تماسك لنفسي عنه ، ولا بدّ منه.

__________________

(١) ٤٦ / سبأ : ٣٤.

(٢) النهاية ؛ ٥ / ٢٠٦.

(٣) ١٢ / الحاقة : ٦٩.

(٤) يريد : حفظها في الوعاء.

(٥) ١٨ / المعارج : ٧٠.

(٦) ٢٣ / الانشقاق : ٨٤.

(٧) يعزى البيت إلى عبيد بن الأبرص كما في اللسان ـ مادة وعد ، وليس في ديوانه. وصدره :

الخير يبقى وإن طال الزمان به

ومذكور العجز في المفردات من غير عزو.

٣٧٤

فصل الواو والفاء

و ف د :

قوله تعالى : (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً)(١). الوفد : القادمون على الملوك والأكابر يستخرجون منهم الحوائج. وأصل ذلك وافد الإبل وهو السابق لغيره. يقال : هم وفد ووفود. ومنه قول الشاعر (٢) :

فإن تمس مهجور الفناء فربّما

أقام بعيد الوفد وفود

والوفادة : القدوم. والوفود هم الذين قدموا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم آخر سنيه.

و ف ر :

قوله تعالى : (جَزاءً مَوْفُوراً)(٣) أي غير منقوص. يقال : وفرته أفره وفرا فهو موفور ، أي لا تنقصون من جزائكم شيئا. ومن كلامهم إذا قدّم لأحدهم قرى : توفر وتحمد ، أي يتوفّر عليك مالك لا تنقص منه شيئا ، مع بقاء الحمد والثناء عليك. ومنه : توفير الثمن ، أي عطاؤه كاملا من غير نقص. ووفرت عرضي بمالي. ومنه قول زهير (٤) : [من الطويل]

ومن يجعل المعروف من دون عرضه

يفره ، ومن لا يتّق الشّتم يشتم

والوافر : المال التامّ. يقال : وفرت كذا أفره فرة ووفرا ، ووفّرته على التكثير ، والوفرة من الشّعر : ما بلغ المنكب ، واللّمّة : ما بلغ الأذنين ، والجمّة : ما زاد على الوفرة. ومزادة وفر ، وسقاء وفر : لم ينقص من أديمها شيء. ورأيت فلانا ذا وفارة ، أي مروءة تامة وعقل رصين.

__________________

(١) ٨٥ / مريم : ١٩.

(٢) البيت سقيم النسخ ، كذا حاولنا تصويبه. والكسر في العجز.

(٣) ٦٣ / الإسراء : ١٧.

(٤) شعر زهير : ٢٦.

٣٧٥

و ف ض :

قوله تعالى : (إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ)(١) أي يسرعون عدوهم. يقال : وفض يفض وأوفض يوفض إيفاضا ، أي عدا عدوا سريعا. والمعنى : كأنّهم نصب لهم شيء عجيب ، فهم يستبقون إليه ويستدّون نحوه. قيل : وأصل ذلك أن يعدو من عليه الوفضة ، وهي الكنانة فتتخشخش فيسرع في عدوه لئلا يسمع حسّها فيؤخذ.

وفي الحديث : «أمر بصدقة توضع في الأوفاض» (٢) قيل : هم الفرق من الناس والأخلاط. قال الفراء : هم الذين مع كلّ منهم وفضة ، وهي تشبه الكنانة الصغيرة. قلت : وعلى هذا فهو على حذف مضاف ، أي ذوي الأوفاض ، وهم الفقراء لأنهم يستصحبون ما يشبه الكنانة ليعطوا فيها من الصدقات. واستوفضه ، أي غرّبه وطرده. ومنه : استوفضت الإبل ، أي تفرّقت في مرعاها. ومنه قول ذي الرّمّة (٣) : [من البسيط]

مستوفض من بنات القفر مشهوم

وقيل : الأوفاض : الفرق من الناس المستعجلة.

و ف ق :

قوله تعالى : (جَزاءً وِفاقاً)(٤) الوفاق : المطابقة وعدم المنافرة. ومنه : وافقت الرجل : إذا لم تخالفه. والاتفاق افتعال منه ، وهو موافقة فعل الإنسان القدر. ويستعمل ذلك في المحبوب والمكروه. يقال : اتّفق لفلان خير وشرّ. والتّوفيق تفعيل منه ، إلا أنه اختصّ في العرف بالخير. ومنه قوله تعالى : (وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ)(٥). وأتانا لتيفاق الهلال

__________________

(١) ٤٣ / المعارج : ٧٠.

(٢) النهاية : ٥ / ٢١٠.

(٣) عجز لذي الرمة ، وصدره كما في ديوانه : ١ / ٤٣٠ :

طاوي الحشا قصّرت عنه محرّجة

مشهوم : مذعور.

(٤) ٢٦ / النبأ : ٧٨.

(٥) ٨٨ / هود : ١١.

٣٧٦

وميقاته (١) ، أي حين اتفق إهلاله. وقد وفّق هذا لكذا ، أي أرشد إليه.

و ف ي :

قوله تعالى : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ)(٢). يقال : وفى ووفّى وأوفى. وقد جاءت الثلاث لغات في الكتاب العزيز ؛ فمن الأول قوله تعالى : (وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ)(٣) وجه الدلالة أنّ أفعل إنما يطّرد من الثلاثي. ولنا فيه كلام. ومن الثاني : (وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى)(٤). ومن الثالث ما تلوناه أولا. والتّوفية : التّتميم. ومنه قوله تعالى : (أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ)(٥)(وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ)(٦). وقوله تعالى : (وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى) توفيته أنّه بذل المجهود في طاعة المعبود في جميع ما طولب به ، كما أشار إليه تعالى بقوله : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ) الآية (٧). فبذل ماله في الأنفاق في قرى الضّيفان ، وبذل ما هو أعزّ من نفسه وهو ولده حيث امتثل أمر ربّه عزوجل على هيئة لا يطيقها البشر البتّة من ذبحه له بيده. وأيّ شيء أعظم من هذه التّوفية؟ ومنه في المعنى : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَ)(٨) وقد قيل في هذه الآية معنى آخر ؛ وهو أنّ إبراهيم التزم ألّا يسأل غير ربّه. فلما رفع في المنجنيق ليرمى في النار اعترضه جبريل عليه‌السلام وقال له : ألك حاجة؟ فقال : أمّا إليك فلا. فهذا توفيته. وأنشدني بعضهم في هذا المعنى بحرم الخليل عليه‌السلام ، والشعر للوأواء الدّمشقيّ من قصيدته المشهورة (٩) : [من البسيط]

قالت لطيف خيال زارني ومضى :

بالله صفه ولا تنقص ولا تزد

__________________

(١) الجملة مضطربة الرسم ضبطناها من اللسان. ويقال : لوفق الهلال وميفاقه وتوفيقه وتيفاقه وتوفاقه ، أي لطلوعه ووقته.

(٢) ٤٠ / البقرة : ٢.

(٣) ١١١ / التوبة : ٩.

(٤) ٣٧ / النجم : ٥٣.

(٥) ٥٩ / يوسف : ١٢.

(٦) ٣٥ / الإسراء : ١٧.

(٧) ١١١ / التوبة : ٩.

(٨) ١٢٤ / البقرة : ٢.

(٩) ديوان الوأواء : ٢٦٦.

٣٧٧

فقال : خلّفته لو مات من ظمأ

وزدته عن ورود الماء لم يرد (١)

قالت : صدقت وفاء الحبّ عادته (٢)

يا برد ذاك الذي قالت على كبدي

وقال هذا المنشد : إنّ ابن الجوزّي ، حين ذكر قصة الخليل أنشد الأبيات وهو حسن جدا.

وتوفيه الشيء : بذله وافيا. واستيفاؤه : تناوله وافيا. ومنه قوله تعالى : (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ)(٣)(الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ)(٤). وسمي الموت والنوم توفّيا لأنّهما استيفاء مدّة. قال تعالى : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها)(٥). وقوله : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ)(٦) أي يموتون ، وقرىء بفتح الياء (٧) ، وتأويلها : يتوفّون آجالهم. وهذه القراءة تبطل حكاية عن الشعبيّ أنه قال له رجل ـ وهو في جنازة : من المتوفّي؟ فقال الشعبيّ : الله تعالى ؛ قاله الزمخشريّ وفيه نظر لجواز أن هذه القراءة لم تبلغ الشعبيّ لا سيما وهي شاذّة.

قوله تعالى : (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ)(٨) قيل : توفّي رفعة لا موت. وعن ابن عباس : إنه توخّي موت فإنّه أماته ثم أحياه. وقال : فيه تقديم وتأخير تقديره : رافعك إليّ ومتوفّيك. قال : وقد تكون الوفاة قبضا وليست بموت. يقال : توفّيت حقّي من فلان واستوفيته بمعنى. وقال آخرون : «متوفّيك» أي مستوف كونك في الأرض. وقال القتيبيّ : قابضك من الأرض من

__________________

(١) ورواية البيت في الديوان :

فقال : أبصرته لو مات من ظمأ

وقلت : قف عن ورود الماء ، لم يرد

(٢) وفي الديوان : قالت صدقت الوفا في الحبّ عادته.

(٣) ٧٠ / الزمر : ٣٩.

(٤) ٢ / المطففين : ٨٣.

(٥) ٤٢ / الزمر : ٣٩.

(٦) ٢٣٤ / البقرة : ٢ ، وغيرها.

(٧) قرأها بالفتح علي (رضي) والمفضل عن عاصم (مختصر الشواذ : ١٥).

(٨) ٥٥ / آل عمران : ٣.

٣٧٨

غير موت ؛ وهذا قول الفراء المتقدّم. قوله : (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ)(١) فهذه التّوفية إماتة. ومنه قول ذي الرّمّة (٢) : [من الوافر]

رجيع (٣) تنائف ورفيق صرعى

توفّوا قبل آجال الحمام

فصل الواو والقاف

و ق ب :

قوله تعالى : (وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ)(٤) الوقوب : الدخول. والغاسق : القمر ، وقيل : هو الليل. فوقب هنا بمعنى أظلم. وفي الحديث : «إنّه لمّا رأى الشمس قد وقبت قال : هذا حين حلّها» (٥) أي غابت ودخلت. وحين حلّها ، أي وقت وجوب صلاة المغرب. والوقب كالنّقرة في الشيء. ومعنى وقب في الأصل : دخل في الوقت. ثم عبّر به عن الدخول في الشيء مطلقا. والإيقاب : تغييبه. والوقيب : صوت قنب الدابّة.

و ق ت :

قوله تعالى : (كِتاباً مَوْقُوتاً)(٦) أي فرضا مؤقّتا لا بدّ منه. والموقّت من الأشياء : ما جعل له وقت يفعل فيه. قال بعضهم : الوقت : نهاية الزمان المفروض للعمل. ولهذا لا يكاد يقال إلا مقيّدا نحو قولهم : وقّتّ كذا : جعل له وقتا. قال تعالى : (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً ، وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ)(٧). وقيل : معنى «أقّتت» جعل لها وقت واحد لفصل القضاء بين الأمّة. وقال ابن عرفة : جمعت للميقات ، وهو يوم القيامة. وقوله تعالى : (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً)(٨) أي مصير الوقت. ومنه قوله تعالى :

__________________

(١) ٦٠ / الأنعام : ٦.

(٢) الديوان : ٢ / ١٤٠٠.

(٣) وفي الأصل : صريع. رجيع تنائف : هو نفسه ذو الرمة ، أي رجيع أسفار. الحمام : القدر.

(٤) ٣ / الغسق : ١١٣.

(٥) النهاية : ٥ / ٢١٢.

(٦) ١٠٣ / النساء : ٤.

(٧) ١١ / المرسلات : ٧٧.

(٨) ١٧ / النبأ : ٧٨.

٣٧٩

(وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا)(١) أي الوقت الذي حدّدناه له. فالميقات : الوقت المضروب للشيء ، والوعد : الذي جعل له وعد. وقد يطلق الميقات ويراد به المكان. ومنه مواقيت الحجّ المكانية كقوله : «وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة» الحديث (٢) لأنه بمعنى حدّد وقوله : (قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِ)(٣) أي حدود الأزمنة يعرفون بها آجال ديونهم وعدّة نسائهم ووقت نسكهم بأداء الحجّ ، وغير ذلك. والتقدير : مواقيت لحاجات الناس.

و ق د :

قوله تعالى : (النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ)(٤) ـ بالفتح ـ اسم للحطب ونحوه ـ وبالضمّ ـ المصدر ، نحو الوضوء والوضوء. وقد قرىء (وَقُودُهَا)(٥) بضمّ الواو فقيل : هو على حذف مضاف ، أي ذوو وقودها. وقيل : هما بمعنى ، فقد جاء المصدر على فعول ـ بالفتح ـ في أفعال محصورة أتينا عليها مشروحة في غير هذا الموضع. وقوله تعالى : (كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ)(٦) يجوز أن تكون حقيقة ؛ فإنّ العادة جرت بإيقاد النار للحروب ، وأن تكون استعارة على المشهور. يعني أنهم يتعاطون التحرّز على المؤمنين والتعاضد عليهم. وجعل تعالى خذلانهم لهم عبارة عن إطفائها ، وحسّن ذلك المقابلة. وأوقد واستوقد بمعنى (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً)(٧). ويجوز أن يكون استفعل على بابه من طلب الإيقاد مجازا ، وهو أبلغ. ويقال : وقدت النار واتّقدت واستوقدت بمعنى واحد. وقد يستعار الإيقاد للتألّق فيقال : اتّقد الجوهر والذهب ونحوهما.

و ق ذ :

قوله تعالى : (وَالْمَوْقُوذَةُ)(٨) أي المضروبة بعصا أو حجر ونحوهما حتى تموت.

__________________

(١) ١٤٣ / الأعراف : ٧.

(٢) النهاية : ٥ / ٢١٢.

(٣) ١٨٩ / البقرة : ٢.

(٤) ٥ / البروج : ٨٥.

(٥) ٢٤ / البقرة : ٢.

(٦) ٦٤ / المائدة : ٥.

(٧) ١٧ / البقرة : ٢.

(٨) ٣ / المائدة : ٥.

٣٨٠